تم استخدام مصطلح المدن الذكية على نطاق واسع في العقدين الماضيين من قبل المجتمع العلمي وصناع القرار على حد سواء. قبل تحديد ما هي عليه المدن الذكية، من الضروري أن نفهم الدور الذي تلعبه المدن بصفة عامة في مستقبل البشرية. يقول علماء الأنثربولوجيا أن المدن الحديثة لا تحدد الظروف الإجتماعية والإقتصادية للفرد فقط ولكن لها أيضًا تأثير كبير على البيئة. حسب تقرير “مدن العالم” التابع للأمم المتحدة على أن ما يصل إلى 55.3 في المائة من سكان العالم في عام 2018 يعيشون المستوطنات الحضرية
ويبدو أن موجة التحضر ستستمر في الإرتفاع في العقود القادمة حيث ستضم المدن 60 في المائة من سكان العالم في عام 2030 و 70 في المائة في عام 2050. 80 في المائة من السكان يقيمون بالفعل في مدن في أوروبا اليوم. ويرتبط استهلاك الطاقة منطقة ما بأهميتها الاقتصادية، لذلك فالإستهلاك الطاقي في المدن أعلى بكثير من المناطق الريفية لكن هذا الإستهلاك يؤثر بطريقة ملحوظة بالبيئة. وفقا للبنك الدولي، تستهلك المدن ما يصل إلى 80 في المائة من الطاقة في حين أنها تمثل 70 في المائة من انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون. وكلما زادت الكثافة السكانية في المدن كلما ارتفعت نسب هذه الإنبعاثات
المفاهيم الحديثة للاستدامة الحضرية تركز على تحقيق النمو الاجتماعي والاقتصادي من خلال حلول مستدامة وتعتبر الخدمات الحضرية عالية الجودة مثل النقل جزء مهما لا غنى عنها للمدن الحديثة. لكن الإشكال يبقى في تطويرها بشكل يحسن من فاعليتها وطواعيتها لسكان المدن وفي نفس الوقت يضمن عدم إلحاق الضرر بالبيئة. لهذا سعى صناع القرار في جميع أنحاء العالم للحصول على إجابات في مجال التقنيات، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل إنشاء مدن ذكية
بشكل عام ، يشير مفهوم المدن الذكية الذي تم استخدامه أول مرة في تسعينيات القرن الماضي إلى استعمال التكنولوجيا كعنصر أساسي في البنية التحتية الحديثة للمدن. يكمن الانقسام داخل المجتمع العلمي فيما يتعلق بتعريف المدن الذكية في طريقة ومدى استغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المناطق الحضرية. ومع ذلك ، فإن أحد التعاريف المتفق عليها صاغه مركز كارتنر للإبحاث الذي يوضح أنه
تعتمد المدينة الذكية على التبادل الذكي للمعلومات التي تتدفق بين العديد من النظم الفرعية المختلفة. يتم تحليل هذا التدفق للمعلومات وترجمته إلى خدمات مدنية وتجارية. وستعمل المدينة الذكية على تدفق المعلومات هذا لجعل نظامها الإيكولوجي الأوسع نطاقًا أكثر كفاءة في استخدام الموارد واستدامة. يستند تبادل المعلومات إلى إطار تشغيل ذكي للحوكمة مصمم لجعل المدن مستدامة
وقد كان معهد كاليفورنيا للمجتمعات الذكية من أوائل المؤسسات في العالم التي تعالج مسألة جعل المدن أكثر ذكاءً باستخدام تكنولوجيا المعلومات
المدن الذكية هي مدن إذن حديثة تحاول تحسين جودة إقامتها من خلال جعل التفاعلات بينها وبين بيئتها الحضرية ممكنة. وهكذا يتم دمج التكنولوجيا مع البنية التحتية مثل النقل العام عبر “إنترنت الأشياء”، وهي تقنية تساعد على إنشاء شبكة تكون فيها الأشياء قادرة على التواصل مع بعضها البعض بطريقة تلقائة وذكية. من خلال هذه الشبكة ، يتم توصيل سيارتك على سبيل المثال بمركز بيانات يمكنه إمدادك بمعلومات في الوقت الفعلي حول الطرق يجب عليك اتخاذها لخفض استهلاك الطاقة وأو تقارير المرور لتجنب الذهاب إلى المناطق الأكثر ازدحامًا. الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذا الاتصال الذكي للأشياء والخدمات في المدن غير محدودة، حيث يمكنها التنبؤ بالفرص والمخاطر وتحديدها قبل تقديمها، أو في الوقت الفعلي، وبالتالي تمكين الاستغلال والوقاية على أكمل وجه ممكن
أطلقت سنغافورة برنامجًا في عام 2014 كي تصبح أول دولة ذكية في العالم. دعا لي هسين لونج ، الذي شغل منصب رئيس الوزراء منذ ذلك الحين، إلى نشر الكاميرات وأجهزة الاستشعار في جميع أنحاء البلاد.والغرض منها هو جمع المعلومات حول حركة المرور، والمباني عالية الخطورة، والصرف الصحي، والسلوك الإجرامي وجميع جوانب الحياة اليومية في سنغافورة. صنفت شركة جوبيتير ريسورش، وهي شركة أبحاث تسويقية مقرها المملكة المتحدة، سنغافورة باعتبارها أذكى بلد على وجه الأرض وذلك بفضل اعتمادها قوانين و سياسات تسهل استخدام التكنولوجيا والاتصال اللاسلكي
مدينة برشلونة الإسبانية هي أيضا أحد أهم المدن الذكية. وقد مكنها إنشاء شبكة إنترنت متطورة وتعميمها مجانا من توفير ما يفوق 75 مليون يورو سنوي. وتدعم شبكة الواي فاي التي أنشأتها في جميع ربوع المدينة تقنية دمج إنترنت الأشياء وتسمح بتدفق هائل للمعلومات بين السكان وأنظمة إدارة المياه العامة والإضاءة ومواقف السيارات وغيرها. ومن خلال اعتماد هذه التقنيات الذكية ، تمكنت برشلونة أيضًا من خلق مدينة برشلونة من خلف 47 ألف منصب شغل إضافي في مجال التكنولوجيا